فالعملية واحدة، والتضحية واحدة، والتعلق والتعب والمشقة لا بد منها، ولذلك لا تجد أحداً حتى من أكثر الناس تطفلاً على الحب -كما يسمونه- وعلى الغزل إلا ويكتب: الحب عذاب على سيارته، وعلى أوراقه، وعلى كتاباته، فما دام عذاباً فلا تتعذب من أجل أي شيء، بل ينبغي إذا أحببت شيئاً وتعبت من أجله فليكن ممن يستحق ذلك الحب، ولا شيء يستحق أن يُحب على الحقيقة إلا الله سبحانه وتعالى، وما والاه عز وجل، فلهذا يقول العلماء الربانيون، ومن يعرفون الله عز وجل: إن مثل هذه الأبيات التي تقال في حق المحبوبين لغير الله لا يليق أن تقال لغير الله عز وجل.
فمثلاً: أبو فراس له أبيات عظيمة جداً في الحب، يقول:
فليت الذي بيني وبينك عامر            وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين            وكل الذي فوق التراب تراب
فهذا كلام عظيم جداً، لكن أبا فراس كتب هذا الشعر في ابن عمه سيف الدولة وكان يحبه؛ لكن لما اختلفا على الملك تقاتلا، وكم تقاتل من إخوة وآباء وأبناء على الملك والدنيا.
إذاً: لا يستحق أحد أن يكون الذي بينك وبينه عامراً، ولو خرب ما بينك وبين العالمين، وأن تراقب وتراعي رضاه، ومحبته، ورغبته إلا الله عز وجل فقط، أما ما عداه فلا، ولو دققت النظر في هذا الكلام، فإنما يقال على سبيل المبالغة التي لا تصل إلى درجة الحقيقة، لكن بالنسبة لله عز وجل يمكن أن يكون وأن يوجد على الحقيقة.